Thursday, September 6, 2007

مآذن أبوالعباس‏..‏ومذبحة سان ستيفانو كما كتبها اسامة انور عكاشة

هاهنا تتجلي مظاهر المأساة‏..‏ علي طرفين متقابلين بين القوسين الرابضين علي بحر اسكندرية‏..‏ يمتد أحدهما من سفح قلعة قايتباي في بحري أمام ساحة مساجد المدينة الكبري‏..‏ ليقابله شرقا أبراج ما يسمي بسان ستيفانو جراند بلازا‏...‏ في بداية منطقة البلاجات السكندرية الشهيرة‏..‏ وهذا التقابل‏..‏ وأفضل أن أسميه بالتنافر الجارح المؤلم‏,‏ ربما يشير بفظاظة الي ما أصيب به الذوق العام في مصر من انتكاسة محزنة‏!‏هاهنا يأتي رمضان لتزدان المآذن بعقود الأنوار‏..‏ تطل علي قباب سيدي المرسي أبي العباس والإمام البوصيري‏(‏ سيدي الأباصيري بمنطوق السكندرية‏..) تختلط روحانيات الصيام واقامة شرع الله واتمام أركان الدين الحنيف باندماج المصريين مع أهازيج الصوفية وأناشيد الحضرة الزكية والتدلة بهوي آل البيت والمتوسل بأعتاب الأولياء الصالحين‏..‏ وينتظم العقد بطول مصر وعرضها‏.‏الاتصال والاندماج هو السر من ملاعب الطفولة والطواف بالفوانيس والتحلق بمواكب المنشدين والسير في ركب المسحراتي‏..‏ وصولا الي نضج السن وحمل رسالة الميراث العريق في حنايا الصدور‏...‏ وإذ يحدث هذا التفرد المصري العبقري في كل أرجاء الكنانة‏..‏ إلا أن تجلياته في الثغر كان لها دائما عبق خاص يتضوع عبيرا في أروان الزعفران‏..‏ وألق البقاع المرية الهاجعة في أحضان المالح‏..‏ ذلك الأبيض المتوسط العجوز حامل ألواح الحكمة وألغاز العصور‏.‏‏..‏ صلي عالنبي‏...‏ امدح النبي‏...‏ حصوة في عينك ياللي ما تصلي عالنبي‏...‏ والكل يصلي علي الرسول في الاسكندرية ويمد من حبال التواصل مع الوافد الآخر القادم عبر جسور المتوسط نسيجا كوزموبوليتانيا فريدا ونادر المثال‏...‏ لم يكن هناك أبدا ما ينبو عن الذوق أو يجرح النظر أو يعكر صفو الروح وألفة المعشر وسلامة التعايش‏...‏ فكان عمق الوجود الشعبي السكندري في الأحياء القديمة غرب الميناء الشرقي وفي ظهر القوس المرمري الذي يضم تمثال الخديو الحالم إسماعيل باشا وخلفه تمثال محمد علي المؤسس‏..‏أحياء المنشية والجمرك وكرموز والأنفوشي ورأس التين ومحرم بك والحضرة وسائر امتدادات الغرب من مينا البصل والقباري والورديان والمكس والدخيلة‏...‏ لم يكن هذا الزخم السكندري المنقوع في العمق الحضاري الموروث لدي المصريين ليتنافر مع القوس الآخر الذي أعطاه الآخر عاشق الاسكندرية وسليل بناتها الأوائل دليلا أو تأسيسا لفكرة اتحاده مع بوابة التقاء الحضارة الهيلينتسية بالميثولوجي القديم لبناء صروح طيبة ومنف والشموخ الامبراطوري لأبناء الأهرامات‏!...‏ بنيت بطول الشاطئ الساحر من الأزاريطة والسلسلة نعاني القصور والفيللات التي رصعت جيد المدينة وأعطتها أجمل شرفات ومطلات المتوسط‏...‏ وكان لابد أن تبقي فخارا وزهوا وشهادة دائمة تحكي سر المدينة وتهمس به لكل من تدله في هواها واستوحي البوح من فيضها‏...‏ كان يجب أن تبقي عذرية الجمال السكندري لا تمس ولا تترك للانتهاك‏..‏بين عشية وضحاها أزيل البوريفاج ـ من منكم يذكره؟ ـ وهدم فندق سان ستيفانو‏!‏ هل تذكرون يوم بدأت المحاولة علي عهد الوزير فؤاد سلطان وقوبلت بالرفض العام والاستنكار فتم ارجاؤها لحين‏..‏ وجاء الحين بعد سنوات قلائل حين لم تعد للبيع حرمته القديمة‏!‏ وقيل لنا انه في مكان الفندق القديم المتداعي ـ مع الاحترام لكل ما يرتبط به من ذكريات وتاريخ ـ حيث باتت ترتع في أرجائه الجرزان‏..‏ سيبني صرح معماري حديث تفخر به الاسكندرية ويقوم دليلا علي عبقرية وتفرد ورثة البنائين العظام‏..‏ وتفاءلنا خيرا‏..‏ وإن خالجني طوال الفترة التي استغرقها البناء وكلما مررت عليه طائف من التوجس والقلق لم يلبث أن تحول الي كابوس مرعب‏!‏كنت أشكو من الأيدي الغليظة التي شوهت وجه الاسكندرية ببنايات الاسمنت والخرسانة القميئة التي انتشرت بطول الكورنيش فقضت قضاء مبرما علي أجمل كورنيش في حوض المتوسط‏..‏ وفي صرخة استنجاد لإنقاذ ما بقي من ملامح الجمال والأصالة في مدينتنا المعشوقة كتبت دراما كاملة هي الراية البيضا منذ ما يقرب من ثلاثين عاما كاملة‏..‏ وظننت ـ ربما لجهلي وسذاجتي ـ أن الصرخة لم تضع هباء ولا راحت سدي‏..‏ خصوصا حين بدأت جهود محافظ الاسكندرية السابق اللواء عبدالسلام المحجوب تعيد لوجه المدينة مسحات من رونقها المفقود‏..‏ ولكن‏..‏ ها هو الصرح الذي وعدنا به‏...‏لا شأن لي بداية بأشخاص من اشتروا الفندق القديم ولا بشركائهم‏..‏ وهل هم جميعا مصريون يحملون القيمة والحرمة المصرية والوطنية في أعماقهم أم هم مجموعة من الأشتات الذين تشاركوا علي غنيمة‏..‏ وكان هدفهم هو التهام الكعكة الموعودة بصرف النظر عن مراعاة قواعد الذوق والجمال في بناء يربض في صدر الاسكندرية‏..‏ ...‏ شأني وشأن كل من يحب الاسكندرية‏..‏ وكل من يردد اللي بني مصر كان في الأصل حلواني‏..‏ شأننا هو الاحتجاج ـ اذا كانت هناك جدوي من الصراخ ـ وادانة هذا الجرم المشهود‏..‏بناء ضخم يشبه فرس النهر‏(‏ سيد قشطة‏)...‏ أو الخرتيت أو وحيد القرن‏..‏ جاثم بكل ثقل بنايته وثقل ظله وخلوه من أي ملمح لجمال من أي نوع‏...‏ حتي علي مستوي الفنادق الحديثة‏...‏ هو أقبح فندق يمكنك أن تراه في مصر كلها بلونه الترابي الكابي وواجهته الباردة الدميمة‏..‏ وتحس فور أن تشاهده بانعدام الرؤية الجمالية‏..‏ وانعدام حس التذوق‏..‏ واهدار تلك المساحات الهائلة علي مبني لا يختلف عن قشلاقات الجنود في زمن الاحتلال‏..‏ كأن الاسكندرية‏..‏لا تستحق أن يبني علي شاطئها في نفس المكان مبني فائق الجمال وتحفة معمارية علي الطراز الايطالي أو الفرنسي الذي يتناغم مع تاريخ المدينة وطابعها‏...‏ هل يمكن أن يصل العمي الحسي والجهل بمفردات الجمال والذوق الي هذه الدرجة؟؟‏..‏ لا أصدق‏..‏ ولكني أري القذي في عيني‏..‏ ولا أملك إلا أن أردد‏:‏ اللهم لا حول ولا قوة إلا بك‏!‏



مقالة بجريدة الاهرام بقلم اسامة انور عكاشة قال اللى كان نفسى اقوله

http://www.san-stefano.com/شوفوا واحكموا والاختلاف فىالرأى لا يفسد للود قضية